بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد :
فهذه المسالة من مسائل الخلاف بين الفقهاء رحمهم الله , وقد قسمت الجواب عليها الى ثلاثة اقسام
1- دليل المجيزين , 2- ذكر النقول عنهم 3- خلاصة
[color=red]اولا :استدل من قال بالجواز والاستحباب بالحديث الاتي :
عن عمر رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه فى الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه "
قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام :
أخرجه الترمذى و له شواهد منها : حديث ابن عباس عند أبى داود و غيره و مجموعها يقضى بأنه حديث حسن .
وكذلك السيوطي في كتاب (فض الوعاء في احاديث رفع اليدين في الدعاء) نص فيه على حسن الحديث بمجموع طرقه وشواهده
وكذلك رمز لحسنه في الجامع الصغير عند رواية ابي داود للحديث
ووافقه عليه المناوي في فيض القدير
وكذلك رواه الحاكم في المستدرك
ورواه ابو داود في سننه وسكت عليه من حديث ابن لهيعة بلفظ
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ )
وهو في المسند للامام احمد وقد نص العلماء على ان مافي المسند من ضعيف يقرب من الحسن
وكذلك مارواه ابوداود في سننه وسكت عليه
وقد ذكر السيوطي في فض الوعاء وعبد الحق في الاحكام والقرطبي في تفسيره ان الترمذي قال عنه في بعض النسخ :صحيح غريب ,وكذلك ورد في كنز العمال
الا ان الامام النووي قال : ليس في النسخ المعتمدة هذا وضعف الحديث, لكنه جزم باستحباب المسح عملابه لكونه يُعمَل به في مثل هذا الباب باتفاق
قال ملا علي القاري (في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) :
(فإذا فرغتم أي من الدعاء فامسحوا بها أي بأكفكم وجوهكم) فإنها تنزل عليها آثار الرحمة فتصل بركتها إليها قال ابن حجر: رأيت ذلك في حديث وهو الإفاضة عليه مما أعطاه الله تعالى تفاؤلا بتحقق الإجابة وقول ابن عبد السلام لا يسن مسح الوجه بهما ضعيف إذ ضعف حديث المسح لا يؤثر لما تقرر أن الضعيف حجة في الفضائل اتفاقا اه
وفيه أن الجزري عد في الحصن من جملة آداب الدعاء مسح وجهه بيديه بعد فراغه وأسنده إلى داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في مستدركه رواه أبو داود
ثم قال القاري : لم يحطهما أي لم يضعهما حتى يمسح بهما وجهه قال ابن الملك: وذلك على سبيل التفاؤل فكأن كفيه قد ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية اه . وهو كلام حسن ا.ه
وفي مصنف عبد الرزاق مايلي :
3234 - عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند صدره في الدعاء ، ثم يمسح بهما وجهه
قال: عبد الرزاق وربما رأيت معمرا يفعله وأنا أفعله.
(وممن نقل عنه فعل ذلك الحسن البصري , وكذلك استحسن العمل بهذه الاحاديث اسحاق بن راهويه
وكره مالك وسفيان الثوري ذلك ) ذكر ذلك محمد بن نصر المروزي في جزئه المسمى ( صلاة الوتر )
ثانيا :اقوال من يرى جواز المسح واستحبابه من المذاهب الاربعة:
الشافعية :
يرى الشافعية استحباب مسح الوجه باليدين بعد الدعاء :
نص على ذلك في اسنى المطالب , وفي نهاية المحتاج شرح المنهاج ,كلاهمانقلا عن النووي في التحقيق وعبارتهما(وَبِاسْتِحْبَابِهِ خَارِجَهَا جزم فِي التَّحْقِيقِ )
أي خارج الصلاة وهذا اشارة الى عدم استحبابه بعد القنوت في الصلاة
وممن نص على استحبابه وكونه من آداب الدعاء ابن الجزري الشافعي في كتاب الحصن الحصين
ووافقه عليه الشوكاني في شرحه له المسمى ( تحفة الذاكرين بعدة الحصين الحصين )
قال الصنعاني في سبل السلام بعد حديث عمر رضي الله عنه :
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدُّعَاءِ
الحنابلة :
جاء في المبدع شرح المقنع :
(وهل يمسح وجهه بيديه) إذا فرغ؟(على روايتين) أشهرهما أنه يمسح بهما وجهه، نقله أحمد ، واختاره الأكثر، لما روى السائب بن يزيد، عن بيه «أن النبي كان إذا دعا رفع يديه، ومسح بهما وجهه» رواه أبو داود من رواية ابن لهيعة، وكخارج الصلاة ا.ه
اقول : وهذا يشير الى استحبابه خارج الصلاة , واما فيها فهو روايتان اشهرهما جواز المسح وهو اختيار الاكثر قياسا على خارج الصلاة
قال ابن القيم في بدائع الفوائد :
في مسائل عبد الله( هو عبد الله ابن الامام احمد رضي الله عنه ) قلت لأبي يمسح بهما وجهه قال أرجو أن لا يكون به بأس وكان الحسن إذا دعا مسح وجهه وقال(أي عبد الله ) سئل ابي عن رفع الأيدي في القنوت ويمسح بهما وجهه قال لا بأس يمسح بهما وجهه قال عبد الله ولم ار أبي يمسح بهما وجهه
يقول ابن القيم : فقد سهل أبو عبد الله في ذلك وجعله بمنزلة مسح الوجه في غير الصلاة لأنه عمل قليل ومنسوب إلى الطاعة واختيار أبي عبد الله تركه ا.ه
أي اختيار الامام تركه في الصلاة مع كونه لم ينكر على من فعله
وفي مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي :
ومن آداب الدعاء أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه ثم يمسح بهما وجهه، وأن يخفض صوته حال الدعاء
وفي الروض المربع :
ويمسح وجهه بيديه إذا فرغ من دعائه هنا(أي بعد القنوت ) وخارج الصلاة لقول عمر كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه رواه الترمذي
ومثله في شرح منتهى الارادات , وكذلك في مطالب اولي النهى
قال في الانصاف :
وَهَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْهَادِي ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَابْنِ تَمِيمٍ ، وَالنَّظْمِ ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ ، إحْدَاهُمَا : يَمْسَحُ ،(( وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ)) قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْكَافِي : هَذَا أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَالْإِفَادَاتِ ، وَالْمُنَوِّرِ ، وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالشَّارِحُ ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ، وَالْكَافِي ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْفَائِقِ ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَمْسَحُ قَالَ الْقَاضِي : نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ ، فَعَلَيْهَا رُوِيَ عَنْهُ : لَا بَأْسَ ،وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْمَسْحُ صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ : يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى يَضَعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : كَذَا قَالَ ا.ه
المالكية :
قال في الفواكه الدواني , وكذا في حاشية العدوي على الشرح الصغير :
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عَقِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
الاحناف :
قال في مراقي الفلاح وحاشية الطحاوي على المراقي :
( ثم يمسحون بها أي بأيديهم وجوههم في آخره ) لقوله صلى الله عليه و سلم " إذا دعوت الله فادع بباطن كفيك ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك " وكان صلى الله عليه و سلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما وفي رواية لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه
وفي الفتاوى الهندية :
مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ إذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ قِيلَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرُوا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ وَرَدَ الْخَبَرُ ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ
ثالثا : الخلاصة
يستحب المسح على الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء عند اكثر العلماء حسب ما اطلعت عليه من كتب المذاهب الاربعة
ومن راى عدم استحبابه او عدم جوازه فلا يُنكَر عليه , كما انه لايحق له ان ينكر على من راى جواز ذلك واستحبابه
يقول الشنقيطي في شرح زاد المستقنع :
( وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن مجموع طرقه تقويه حتى يرتقي إلى درجة الحسن، بمعنى: إلى درجة الثبوت. وبناء على ذلك: لا ينكر على من مسح وجهه خارج الصلاة، أما داخل الصلاة فلا, ففي خارج الصلاة الصحيح: أنه لا يمسح؛ لضعف الحديث, لكن لو مسح شخص فلا ينكر عليه؛ لأنه قد يكون عاملا بالحديث على قول من يعتد بتحسينه وتصحيحه، وهو الحافظ ابن حجر . وقد أجمع العلماء -رحمهم الله- على أن المكلف لو أخذ بتصحيح حديث أو تضعيف حديث من عالم يعتد بتصحيحه وتضعيفه فإنه يجزئه، كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله: واقبل لإطلاق بصحة السند أو حسنه إن كان ممن يعتمد أي: إذا كان من أهل العلم والفن الذين يعتمد تصحيحهم وتضعيفهم، والإمام الحافظ ابن حجر إمام في التصحيح والتضعيف, وبناء على ذلك: من مسح في خارج الصلاة فلا حرج عليه ) ا.ه على ان الشيخ يرى ان الاولى الا يمسح
ومثل ذلك لابن عثيمين في شرحه على زاد المستقنع فانه قال :
قوله: «ويمسح وجهه بيديه» . ظاهر كلام المؤلف : أنه سنة، أي: أن مسح الوجه باليدين بعد دعاء القنوت سنة , ثم قال : بعد ذكر الحديث ومن ضعفه ومن حسنه
وعلى هذا؛ فالأفضل أن لا يمسح، ولكن لا ننكر على من مسح اعتمادا على تحسين الأحاديث الواردة في ذلك؛color]لأن هذا مما يختلف فيه الناس (انتهى كلامه .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين [/size]