بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله في مروركم واضافاتكم
اما ما تفضلت به اختي من ان بقاء شيء من الدين على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم معارض
لتحذيره من الدين ..... ، فجوابه مايلي :
الحديث نفسه الذي نقلتيه بارك الله بكم
وهو في البخاري بلفظ . عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ "
وَفِي حَدِيث أَنَسٍ عِنْد أَحْمَد " فَمَا وَجَدَ مَا يَفْتَكُّهَا بِهِ "
وذكر الحافظ في الفتح ان ابا بكر رضي الله عنه افتكها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِفْتَكَّهَا قَبْل مَوْته فَمُعَارَض بِحَدِيثِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "
اي الحديث السابق
وللجمع بين الحديثين وهما ( حديث التحذير من الدين ) ,( وحديث وجود دين على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الحافظ في الفتح ان بعض اهل العلم وجهه بان نفس الانبياء لاتحبس في الدين
من باب الخصوصية
وروى ابن حبان وصححه " " مَنْ لَمْ يَتْرُكْ عِنْد صَاحِب الدَّيْن مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْوَفَاء"
وعلى هذا فان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك درعه ليستوفي منها اليهودي دينه
على ان العلماء رحمهم الله وجهوا حديث ( نفس المؤمن معلقة بدينه ..) بان ذلك في حق من كان عنده مايفي به الدين وقصر في ذلك ، او مات وهو غير عازم على الوفاء
اما من مات وهو عازم على الوفاء ولكنه عجز عن ذلك وكان قد استدان لحاجة ففيه الاحاديث التي تبين ان الله تعالى يتجاوز عنه ويرضي غريمه ( وذكرت بعض هذه الاحاديث )
وهذا حديث يفصل القول فيها كمافي نيل الاوطار للامام الشوكاني رحمه الله :
أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ :
{ يُدْعَى بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ ، وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أُضَيِّعْ ، وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدَيْ إمَّا حَرَقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : صَدَقَ عَبْدِي وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنَكَ ، فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ )
وفي مجمع الزوائد للامام الهيثمي رحمه الله :
؟باب فيمن نوى قضي دينه واهتم به:
عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمل من أمتي ديناً ثم جهد في قضائه ثم مات قبل أن يقضيه فأنا وليه.
رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح
فكل ماتقدم اختي يبين ان حبس نفس المؤمن بدينه انما هو خاص في المقصر في الاداء او المستدين لغير حاجة وهو ينوي المطل فيها وتاخيرها عن اصحابها
يقول الامام الشوكاني رحمه الله في فيض القدير :
وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَنْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ وَأَمَّا مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَمَاتَ عَازِمًا عَلَى الْقَضَاءِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْهُ ، بَلْ ثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَحَبَّةِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِلْقَضَاءِ مُوجِبَةٌ لِتَوَلِّي اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَقْضِ مِنْهُ الْوَرَثَةُ .
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ دَانَ بِدَيْنٍ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ وَمَاتَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى غَرِيمَهُ بِمَا شَاءَ ، وَمَنْ دَانَ بِدَيْنٍ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ وَمَاتَ اقْتَصَّ اللَّهُ لِغَرِيمِهِ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { الدَّيْنُ دَيْنَانِ ، فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ فَأَنَا وَلِيُّهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَا يَنْوِي قَضَاءَهُ فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لَيْسَ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ }, انتهى
واما حديث ( يغفر للشهيد كل ذنب الا الدين ) ، فيقول الامام المناوي في فيض القدير :
(والمراد به جميع حقوق العباد من نحو دم ومال وعرض فإنها لا تغفر بالشهادة ..........والكلام فيمن عصى باستدانته أما من استدان حيث يجوز ولم يخلف وفاء فلا يحبس عن الجنة شهيدا أو غيره)
وهذا ليس تقليلا من خطر الاستدانة ، لان الله تعالى عالم بما في نيات العباد مطلع على ضمائرهم
والله اعلم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين